شهـر التـسول
لا أقصد ظاهرة التسول التي عادة ما تنتشر في شهر رمضان المبارك، فما اقصده مختلف تماما عما نراه في هذا الشهر الفضيل، وان كان يتطابق معه في معنى كلمة تسول..و «التسول» كلمة تعني الاستجداء، وبلهجتنا تعني الطرارة، ولان هذه الظاهرة ليست بغريبة على المجتمع الذي تعود على فعل الخير ومساعدة المحتاجين، الا ان الغريب هنا هو ان المتسولين او الطراروة في هذا الشهر يختلفون تماما عن الطراروة المعروفين لدى الجميع..طراروتنا في هذا الشهر ليسوا بحاجة للمال، او سد احتياجاتهم من المأكل والملبس، فهم ينفقون بهذا الشهر ما يكفي قارة افريقيا وفقرائها لمدة عام كامل من مأكل وملبس..طراروة هذا الشهر ذربين وكشخة ويحلقون باليوم خمس مرات ويترززون على الفضائيات ووسائل الاعلام، يعني بالعربي المشرمح طراروة هالشهر ما يبون لا فلوس ولا اكل ولا دشاديش..اللي يبونه طرارواتنا الحلوين هو اصوات الناخبين، فزياراتهم لدواوين الكويت ليست لله ولا لمعرفة اصحابها، بل ليتسولون هالصوت الذي قد يوصلهم الى الكرسي الاخضر، فيكثرون من الوعود، وكأنهم الآمر الناهي في البلد، فيقسمون باغلظ الأيمان بانهم سوف يفعلون كل ما يتمناه الناخب، حتى يتخيل الناخب بانه عثر على المصباح ليخرج له هذا المرشح «المارد» ويحقق له كل ما يريده..والمؤسف اننا نصدق تلك الوعود رغم اننا قد جربنا الكثير منها، وما ان وصلوا الى قبة البرلمان حتى اصبحنا نحن المتسولين من دون ان نحصل على ما نريد او حتى يتحقق لنا شيء من تلك الوعود..فجون ماكين وباراك اوباما لم يزعجا الاميركان بالتسول امام دواوينهم ولا منازلهم ليحصلوا على اصوات الناخبين الاميركان، ولم يزعجا قبائلهم وعوائلهم وابناء فرجانهم بنصاص الليالي ويحذفون العقل وطلبتك لا تخليني، كل اللي يسوونه مناظرات وندوات ويلي بدو يجي ويقتنع بطرحهم اهلا وسهلا ويلي ما بدووه براحتووه.. مصيبتنا كناخبين اننا لا نعي معنى الممارسة الديموقراطية، فالطابع القبلي والفئوي والطائفي يغلب علينا في اختياراتنا لمن يمثلنا في اهم مؤسسة من مؤسسات الدولة، والتي تمس حياتنا وحياة اجيالنا ومستقبل بلدنا الا وهي السلطة التشريعية، فلا يهمنا من هم مشهود لهم بالنزاهة والاستقامة ومن يحترم القوانين، ولا نلتفت لمن يحمل برنامجاً انتخابياً ذا اجندة واضحة تهتم بمصلحة البلاد والعباد، ولا نفكر بمن يتسم بالقوة في الحق والامانة، ولا نريد من يحارب سراق المال العام وحماة الدستور، كل ما يهمنا هو ابن القبيلة او العائلة او الطائفة حتى ولو كان يمثل علينا..هذه المرة علينا كناخبين ان نعي جيدا عملية الاختيار لمن يمثلنا في المرحلة المقبلة، فالبلاد بحاجة لرجال دولة ونواب امة يقدرون مسؤولياتهم، ويفهمون معنى ما يقسمون عليه ويعلمون بان هناك ناخباً واعياً سوف يراقب اداءهم ومن ثم يحاسبهم، فالوطن للجميع وعلينا ان ننهض به من خلال حسن اختيارنا والا فسوف نكون نحن المسؤولين ونحن من يتحمل نتائج اختيارنا..
محمد الرويّحل
القبس/العدد 12868 - تاريخ النشر 27/03/2009